الحجاب ليست حَجْباً عن ما يراه عُمْي القلوب من حرية أهوائهم الجنونية السادرة
وراء رَكْبِ الجهلةِ بدعواهم الشهوانية العمياء والتي تسير بهم نحو الشقاء، الظاهر زيفها، المكشوف فشلها.
الحجاب: حصن المرأة، بل حصن المجمتع الحصين الذي يحفظه من الانحلال والتفكك والانحراف إلى الهاوية.
أما السفور!. وما أدراك ما السفور!.
إن في السفور تدهور المجتمع نحو الرذيلة وفيه التفكك لروابط الحياة العائلية وهو مسبب الضعف في تكوين النسل وزارع بذور الجفاء والخصام والقسوة في البيت وناشئته.
إن السفور يبدِّد الرضا من نفوس الناس ويبعث سخطهم، وفي ظلال السخط لا ينمو إلا البؤس الإنساني والشقاء الاجتماعي. وإليك الشرح والإيضاح:
لنبحث أولاً في آثار السفور في نفسية الشاب الأعزب والفتاة العزباء:
مهما قيل في تأييد السفور من زخرف القول فإن الواقع مكذِّبه، يقولون إن الأخلاق إذا تكاملت وغدت متينة لدى الجنسين فإن السفور عندئذ لا يسبب التدهور والانحلال،
أقول: إن الأخلاق إذا نمت وتكاملت لا تستطيع تدمير القوى الجنسية، فالشاب الظامئ حين تلوح له وجوه صبيحة وتتحدّث إليه نفوس ناعمة بأصوات شجية لا يمكنه إلا أن يصبو إلى الحسان ويشوقه الجمال الفتَّان، وهذه هي الخطوة الأولى نحو الزنى، وقل الأمر نفسه عن الفتاة الظامئة، إنها ستهفو بنفسها نحو رفيقها الشاب، وإذا لم نشأ الآن أن نأخذ بعين الاعتبار ما يقدِّمه الواقع من نماذج فاحشة لنتائج هذه الاتصالات الاجتماعية الأولى فحسبنا أن نقول: إن هذه الصِّلات تبعث القلق في النفوس وتوقظ الأرق، وأنَّى للناشئة أن تستمر في بناء المستقبل والإخلاص للعمل والدراسة والوظيفة بعد أن دبّ في المشاعر طيف الحياة الجنسية ونُصبت الحواجز وطُرق باب الغريزة ودعاها الداعي إلى أمر نكر.
إن الغريزة عمياء لا تفرِّق بين خير وشر ولئن قوي عليها الفكر بعد أن أيقظتها رؤية الحسان وأوثقها في العقال فذلك هو الكبت وهو شر وأدهى، قوتان تتصارعان في ساحة النفس، قوة الغريزة الثائرة الجامحة وقوة الفكر المميزة الواعية. فإن غلبت الواعية فقد دخلت النفس في عذاب الكبت وظلَّت الثانية في السخط حتى تجد طعاماً وإن غلبت الأخرى فتلك الهاوية.
إن مجتمعاً يذيع فيه السفور لا تعرف الطمأنينة سبيلاً إلى أفئدة شبابه، إذ عوامل الإثارة نشيطة والانفعال الجنسي هائج، ويُرى في هذه الأوساط حيث يشيع السفور والعزوبة أن نوع المزاح قد أصبح غريزياً للغاية وأن الأحاديث التي تستحب للترفيه عن النفس إنما هي أحاديث متصلة بمعالم الاتصال الجنسي أو ما يدور حوله كل ذلك سعياً وراء إرواء الظمأ الغريزي الذي ألهبته فاجعة السفور.
وهل يستطيع أحد أن يعتقد أن اليد الإلهية التي صاغت هذا الكون الرحيب المكتظ بأعاجيب الخلق وعظمة التكوين، هل يُعتقد أنها هي صاغت هذه النفوس على هذه الحالة من الفساد الذريع والتدني الشديد؟. لا!. إنها صاغتها طاهرة كريمة ولكن السبل التي سارت فيها أفسدتها، إن السفور يعرِّض الجنسين لفتنة النظر والنظرات تسوق إلى الحديث وتزرع فيه تعابير التودد والغزل وما بعد ذلك إلا ظمأ محروم يقود إلى السُّقيا من أحواض الدناءة والعهر.
وقد آن لنا أن نرجع إلى طبقة المتزوجين لنبحث عن آثار السفور فيها:
إن العُرى التي تربط بين قلوب الرجال وأزواجهم تأخذ في الانحلال شيئاً فشيئاً في المجتمع السافرة نساؤه.
إن المتزوج وإن كان في شبع جنسي سوف تتطلع نفسه حين يرى نساء أوفر جمالاً من زوجته وأعذب حديثاً وأكثر رشاقة، وإن قويت أخلاقه على صيانته من الانحراف فإنها لن تقوى على منعه من التمني والتحسُّر، إنه سيتمنى زوجة كالتي تطلَّع إليها رشاقة وجمالاً، ويزيد التمني مع الأيام مع مزيد الإطلاع على السافرات الحسان، هنالك تنقلب تلك الأماني حسرات في نفسه ويغدو ساخطاً على حظه البائس، وقل الأمر نفسه على زوجته التي شاهدها الرجال وشاهدت الرجال، لا بدَّ أن تلقى رجلاً تتوافر فيه عناصر تميزه وترفعه فوق زوجها بمراتب التفوق من وجوه كثيرة، إنها ستخطو الخطوة الأولى والثانية وأقصد التمني والتحسُّر.
لنركِّز الآن انتباهنا على تلك الأسرة سوف نرى ما يلي:
1- فتوراً في المحبة بينهما، إذ قلب كل منهما متعلق بغير رفيقه ولا يرى فيه إلا صاحباً قضى الحظ العاثر برفقته مدى الحياة، إن في هذه الدنيا أزواجاً كثيرين هم خيرٌ من هذا الزوج وفيها نساء كثيرات هنَّ أوفر حسناً من هذه المرأة، هذه هي الفكرة الثابتة التي سترتكز في ذهن كل من الزوجين في مجتمع السفور، وهي تضعف ولا شك من الروابط الجنسية والزوجية.
2- وقد دلّت الأبحاث العلمية على أن هذا الفتور بين الرجل وزوجه ينعكس على الاتصال الجنسي أسوأ الانعكاس لأن فقدان المحبة المتأججة بين الزوجين يفضي إلى ضعف النسل ووهن في تكوينه الفيزيولوجي.
وإن المحبة إذا نشطت وكانت مكينة تُنتج خيراً كثيراً ساعة الاتصال الغريزي، إذ لها أشد التأثير في إنجاب أولاد أقوياء الأبدان، سليمي التكوين والعكس صحيح جداً. وإن هذه العلل من الضعف في البنية والوهن في التكوين الفيزيولوجي التي تنتاب الأطفال كثيراً إنما هي موروثة من الآباء بسبب الجفاء المتركِّز في نفوس الأبوين عند اللقاء.
3- زد على ذلك إن أفول المحبة من سماء البيت يجعل الأولاد يترعرعون في وسط مقفر من الود وهذا ما ينعكس في نفوسهم الغضة ويغرس في قلوبهم وهم على عتبة الحياة بذور القسوة ويطبعها بطابع الخصام.
4- وأخيراً إن السفور يبدِّد الرضى من نفوس الناس كما قلت ويبعث في قلوبهم السخط على الحظ والحياة وقد قيل: إن السعادة لا تتحقق في المجتمع إلا إذا توفر عنصر الرضى لدى أفراده، إذ النادب لحظه شقي ولو كان يتقلَّب في أحضان النعيم المادي، فلا شيء يبعث الهناء في الحياة كالرضا